لِقاءات متخيّلة مع جويس، ديكنز، هاردي و لورنس. الجزء الأول.

تخيلوا أن نلتقي بجيمس جويس، جيم كما في جيمس جويس، بلحمه. نحن على الواجهة البحرية لمدينة ترييستي قبل الحرب العالمية الأولى بقليل، في شارع الصليب بزيوريخ سنة 1918، في شارع سان ميشيل في الثلاثينيات.

عمّاذا سنتحدث؟ هنالك سيناريو شهده الكثيرون من قبل. في البداية تُذكٓر أسماء عديدة، أسماء أيرلندية طبعاً. إذا كنت تعرف أحدهم - ويُفضَّل أن يكون من دَبلن- قد قال شيئا حول جويس، سيكون سعيدا بهذا. سواءٌ أكانت إطراءات أم أموراً نقدية قاسية. المهم هو أن الناس يتحدثون حول جويس، في دَبلن.

تكثُر المجاملات في البداية، ثم يسألك جويس إن كان بإمكانك تقديم خدمة صغيرة له. إنه يحمل ظرف رسالةٍ ثقيل، يا حسرتاه ! حوارنا الطويل يعني أنه لا يملك الوقت الكافي ليأخذه لمكتب البريد. أيمكنك فعل ذاك لأجله؟ أو أيمكنك حمل رسالة لأخيه، ستانيسلوس؟ أو ربما إلى شيكسبير أند كو، متجر الكتب الباريسي الذي ينشر "يوليسس" ؟

إذا ما وافقت، إعلم أنه سيطلب منك خدمة أخرى المرة القادمة التي تلتقيه فيها، شيء مستهلك للوقت ربما.

إذا ما وافقت مجدداً، المرة القادمة التي تلتقيه فيها سيطلب منك قرضاً، بعض الجنيهات، بعض الليرات، بعض الفرنكات. بعض مئات من الفرنكات. يستمر السيناريو هكذا ولا يتغير عبر السنوات. لن يصل جويس أبدا إلى المرحلة التي يكون فيها ميسورا كفاية و لا يطلب من معجبٍ قرضاً.

إذا ما منحته قرضا، سيسألك آخر في المرة المقبلة. قرضا أكبر. في الوقت الذي لم يدفع بعدُ ذاك الذي سبقه. لا تهتم، المهم هو مجهوده الأدبي. هل أنت مستعد لقضاء بعض الوقت في مناقشة "يوليسس" أو عمله قيد الإنجاز؟ هيا إذاً.

إذا كانت هناك أزمة سياسية في الهواء، أو حتى حرباً. سيقول جويس: أوه، لنضع هذا جانباً، لنترك التشيكيين/البولنديين/السلافيين في سلام ولنتحدث حول عملي الذي هو قيد الإنجاز!

إنه لمن الطبيعي أنك إن كنت تكتب شيئا فسترغب في أن يقرأه، أن يردّ بعض الجميل. لا تفعل. إذا لم يزعج نفسه في قراءة عمل إزرا باوند "الأناشيد" (Cantos*)  بعدُ، في الوقت الذي يقوم باوند بالكثير لأجله. فنادرا ما سيهتم لقراءة عملك. عليك أن تفهم أن هذه علاقةٌ من طرف واحد.

لاحقا، سيطلب منك جيم خدمة أكبر. أيمكنك أن تقرأ له بعد الزوال؟ إنه يعاني من مشكل في النظر. هلا صححت بعض المصادر له؟ هلا طبعت له مخطوطة؟
لماذا تقبل كل هذا؟ لأن جويس عبقري. الجميع يقول هذا. هو نفسه قد أخبرك بهذا. وعندما تقرأ أعماله تتأكد فعلياً من عبقريته. ثم لستَ وحيداً. الجميع يمدّ له يد العون. " إذا نزل الإله للأرض،" تقول نورا* لجويس، "ستمنحه مهمّة ما".

لكن اليوم الذي سيبدو فيه كل هذا مبالغاً فيه سيأتي لا محالة. بعض طلباته تبدو مجنونة، في الوقت الذي بدت فيه صعوبات و إهانات "ناس دبلن" (Dubliners) مثيرة، و تحديات "بورتريه" ( A Portrait) الكبيرة  محفزة و خيالية. ثم "يوليسس" (Ulysses) التي ورغم فحشها و صعوبتها، كانت بكل بساطة ضخمة و تذكارية. رغم كل هذا، تجد الآن أن الفصول الأولى من عمله قيد الإنجاز مذهلة:

Snip snap snoody. Noo err historyend goody.*

ما كل هذا؟ سيأتي اليوم الذي تقول فيه لا لجويس، لا محالة:
- هلا ذهبت لمكتب البريد الواقع في شارع..؟
- لا.
- أنت لم تحبني قط، يقول جويس، لم تهتم أبداً.

و ينتهي كل شيء. الكاتب العظيم لا يريد أية علاقة بك. لقد خُنته، كما سيخونه مئات القراء عندما يطلب منهم الكثير. حتى الأقرباء و الأصدقاء "سيخونونه" في النهاية. حتى ستانيسلوس، حتى باوند. الأمر مفهوم وواضح. السؤال بالأحرى، لماذا يتعلق البعض حتى النهاية التعيسة؟ لماذا يقرأ الناس "Fineggans Wake" و يرغبون مباشرة في التضحية بكل ما لديهم وفعل أي شيء لأجله؟ ولماذا يحتاج هو لمطالبتهم بذلك؟
______________________

* Cantos: قصيدة طويلة وغير كاملة للشاعر إزرا باوند. نشرت سنة 1922 وتعتبر أهم وأشهر الأعمال الشعرية المعاصرة.

* نورا : نورا بارناكل Nora Barnacle زوجة جيمس جويس و أم طفليه الإثنين. تزوجها سنة 1931 وجمعتهما رابطة حب غريبة وفريدة من نوعها رغم كل الإختلافات.

مقتبس من الفصول الأولى لعمل جويس الأدبي : "Finnegans Wake"، جملة تستحيل ترجمتها دون هدم معناها وتظهر عبقرية جويس الأدبية التي تجاوزت حدود الفهم عند القارئ.
______________________


المصدر : هنا

هل تريد التعليق على التدوينة ؟